"( 1930-1997) أستاذ علم النَّفس بآداب سوهاج، وزميل الجمعيَّة النَّفسيَّة البريطانيَّة. ترجَم إلى العربيَّة من الانجليزيَّة والفرنسيَّة عددًا من أمَّهات الكتب في علم النَّفس، مثل: ""أزمة علم النَّفس المعاصر"" لچورچ بوليتزير، و""نظريَّات الشَّخصيَّة"" لهول وليندزي، و""فنُّ العلاج النَّفسي"" لأنتوني ستور. وله عدد من المؤلَّفات بالعربيَّة، مثل: ""العلاج النَّفسيُّ الجَمعيُّ""، و""نظريَّات التَّعلُّم""، و""الإرشاد النَّفسيُّ"". نشر له مركز المحروسة ترجمته لرواية ""شرلوك هولمز يقابل سيجموند فرويد"" لنيكولاس ماير، ""اليسار الفرويدي"" لبول روبنسون. "
تَكتَسِبُ مسألَةُ الدولة في الوقت الحاضر أهميَّةً خاصَّة، سواء من الناحية النظرية أو من ناحية السياسة العملية. فقد شدَّت الحرب الإمبريالية وعجَّلت بدرجةٍ هائلة عَمليَّة تحوُّل الرأسمالية الاحتكارية إلى رأسماليَّةِ الدولة الاحتكارية. وتزداد فظاعة الظُّلم الذي تعانيه الجماهير العامِلَةُ من قِبَل الدولة، تلك الدولة التي تلتحم أكثرَ فأكثر باتحادات الرأسماليين ذات الحَوْل والطَّوْل، وتتحوَّل المناطق الداخلية في البلدان المُتقدِّمة بالنسبة إلى العُمَّال إلى سجونٍ عسكرية للأشغال الشاقَّة.
تَرجِعُ أَهمِّيَّةُ هذا الكِتابِ إلى كَونِه إضافَةً نَظريَّةً لا يستطيع أَيُّ مُشتَغِلٍ بعِلمِ النَّفس أَنْ يُهمِلَها، ولَكِنْ -للأسف- لا نَجِدُ لها ذِكرًا في كُتُبِ عِلمِ النَّفسِ الأمريكيَّة والبريطانيَّة؛ وذَلِكَ لكَراهِيَة أصحابِ عِلمِ النَّفسِ الأمريكيِّ لِوجهاتِ النَّظَرِ الَّتي تَستَنِدُ إلى الفَلسَفةِ المادِّيَّة الجَدَليَّة؛ لأسبابٍ لا تَخْفَى على فِطنَةِ القارئ. وقد اعتَمَدَ المشتَغِلون بعِلمِ النَّفس في البِلادِ العَربيَّة على النَّقلِ من المصادِرِ الإنجليزيَّة والأمريكيَّة نقلًا مُباشِرًا، بحَيثُ يُمكِنُ القَولُ إِنَّ ما يوجَدُ من عِلمِ نَفسِ في البِلادِ العَربيَّة هو "عِلمُ نَفسِ الخَواجات"، أيْ: عِلمُ النَّفسِ الَّذي يتناوَلُ سُلوكَ ومُعتَقَداتِ ومَشاكِلَ المُجتمعاتِ الغربيَّة، والإنسانِ الغَربيِّ، والذي لا يَنطَبِقُ علينا؛ نَحنُ أبناءَ الوَطَنِ العَربيِّ، إلَّا إذا كان هُناكَ ما يُسمَّى بالطَّبيعَة الإنسانيَّة أو النَّفسيَّة الواحِدَة للبَشَرِ جَميعًا، وهو افتراضٌ لم تَثبُت صِحَّتُه؛ فمُعظَمُ المُنَظِّرين في مجال الشَّخصيَّة يَعتَبِرون أنَّ الإنسانَ نِتاجُ بيئَتِه، وأنَّ عُنصُرَ الثَّقافة والتَّوصِيَة له أكبرُ الأَثَرِ في تَكوينِ نَفسيَّة الإنسانِ وعَقلِه.
وَغالِبُ ظَنِّي أَنَّ الحُكمَ عَلى فرويد -وكَذَلِكَ على الَّذي ابْتَكَرَهُ حَتَّى الآن- هُو في جانِبِ المُحافَظَة؛ فَغالِبًا ما اعتُبِرَ فرويد، إلى جانِبِ فير ودوركايم وباريتو واشبنجر، كأَحَدِ عِظامِ المُعادينَ لليُوتوبيا في أوائِلِ القَرنِ العِشرين، بَلْ واعتُبِرَ الشَّخصَ الَّذي وَجَّهَ الضَّربَةَ القاضِيَةَ للمَطامِحِ الثَّوريَّةِ للماركِسيَّة. ومَعَ ذَلِكَ تَبقَى شُبهَةٌ في أنَّ فرويد كان يَسعَى إلى شَيءٍ لَهُ خَطَرُه، وأَنَّ التَّحليلَ النَّفسيَّ -رَغمَ تَشاؤُمِه التَّاريخِيِّ الواضِحِ- يَرفُضُ أَنْ يُوائِمَ نَفسَه في سَلامٍ مَعَ النِّظامِ السِّياسيِّ والجِنسيِّ القائِمِ. والشَّيءُ الأَكيدُ أَنَّ كَثيرا مِن المُحافِظين الأُوروبيِّين والأمريكيِّين قد وَجَدوا فرويد مُثيرًا لِقَلَقٍ عَظيمٍ، بَلْ لَقَد وَجَدوه لا يَقِلُّ خُطورَةً عَن ماركس نَفسِه. وتَقتَصِرُ هَذِه الدِّراسَةُ نَفسُها عَلى مَجموعَةٍ مِن المُثقَّفين الأُوروبيِّين الَّذين اكتَشَفوا القُدرَةَ الرَّاديكاليَّةَ لِنَظريَّةِ التَّحليلِ النَّفسيِّ، فَلَم يَكونوا عَلَى استِعدادٍ لِقُبولِ ما تَراهُ الأَغلَبِيَّةُ مِن أَنَّ مَشروعَ فرويد العَظيمَ يَتضَمَّنُ رَجعِيَّةً سِياسيَّةً ورَفضًا لِلغرائِزِ، بَل وَجَدوا -بَدَلًا من ذَلِكَ- مَبادِئَ فَلسفَةٍ سِياسيَّةٍ وجِنسيَّةٍ راديكاليَّة، تَسعى إلى تَقويضِ الثَّقافَةِ القائِمَةِ. وكانت نَتائِجُ جُهودِهم هِيَ تَقديمُ تَصحيحٍ للتَّفسيرِ السَّائِدِ لِفرويد باعتِبارِهِ مُحافِظًا. فَفي كِتاباتِ فيهليم رايش وجيزا روهايم وهربرت ماركوز يَبزُغُ فرويد مُهَندِسًا لِتَنظيمٍ أَكثرَ شَهَويَّةً وأَكثرَ إِنسانِيَّةً لِحَياةِ الإِنسانِ الجَماعِيَّة، كما يَبدو وارِثًا للتَّيَّار النَّقديِّ في الفِكْرِ الأُوروبيِّ الاجتِماعِيِّ، بَل ومُبَشِّرًا على نَمَطِ ماركس.
ما عَلاقَةُ الكوكايين بالعَبقَريَّةِ؟ رُبَّما كانت مُحاوَلَةُ شِرلوك هولمز لِكَسرِ قُيودِ الكوكايين -الذي غاصَ في أَوحالِهِ- أَشَقَّ مَجهودٍ بُطوليٍّ شاهَدتُه في حَياتي، فَلا أَتذَكَّرُ -سَواءٌ في حَياتي المهْنِيَّةِ، أَو خِبرَتي الشَّخصيَّة، وسواءٌ في حَياتي العَسكريَّةِ أو المدَنِيَّةِ- أَنَّني شاهَدتُ شَيئًا يُقارِبُ العَذابَ والأَلَمَ الَّذي شاهَدتُه. كانَ اليَومُ الأَوَّلُ للدُّكتور سيجموند ناجِحًا؛ فَقَد تَمَكَّنَ من تَنويمِ هولْمِز، ووَضْعِه في سُباتٍ عَميقٍ في إحْدَى الغُرَفِ الَّتي وَضَعَها تَحتَ تَصَرُّفِنا في الطَّابَقِ الثَّاني مِن مَنزِلِه. وما أَنْ رَقَدَ هُولمز على السَّريرِ حَتَّى جَذَبَني فرويد مِنْ كُمِّي، وأَمَرَني قائِلًا: "هَيَّا بِسُرعَة... يَجِبُ أَنْ نُفَتِّشَ أَمْتِعَتَه".
"العلاج النفسي كما أفهمه هو فَنُّ تخفيف الهموم الشخصية بواسطة الكلام والعلاقة الشخصية المهنيَّة، ونوع العلاج النفسي الذي سأتناوله هو بالتالي تحليليٌّ وفرديٌّ، أي يشارك فيه فردان فقط: المريض والمعالِج النفسي، أمَّا هؤلاء الذين يريدون معلومات عن العلاج النفسي الجمعي، أو العلاج الأُسَري أو العلاج الزواجي، أو السيكو دراما، أو العلاج الجشطلتي، أو أي شكل آخر من أساليب العلاج النفسي التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى- فعليهم أن يبحثوا في مكان آخر. "